ترجمة القصة قصة بدون عنوان أنطون تشيكوف
تقدم ترجمة للقصة القصيرة
قصة بدون عنوان""A Story Without A Title
ترجمة القصة " قصة بدون عنوان " للكاتب الروسي " أنطون تشيكوف " | A Story Without A Title | Anton Chekhov |
تأليف الروائي الروسي
"أنطون تشيكوف"
Anton
Chekhov
_________________________________
في القرن الخامس، تماماً كما هو الحال الآن، كانت الشمس تشرق كل صباح وتغرب كل مساء لتستريح. وفي الصباح عندما كانت خيوط أشعة الشمس الأولى تقبّل الندى، تنتعش الأرض، ويمتلئ الهواء بأصوات نشوة الطرب والأمل. أما في المساء فتغوص الأرض في السكون وتغرق في ظلام كئيب. كان كل يوم مثل الآخر، وكانت كل ليلة تشبه الأخرى. وبين الفينة والأخرى كانت سحب العواصف تتسابق، وكنتَ تسمع دمدمة الرعد الغاضبة، أو كنتَ ترى نجما يهوي من السماء، أو راهبا شاحب اللون يجري ليخبر الأخوة أنه رأى نمراً بعيدا عن الدير --- هكذا كان حال كل شيء آنذاك، كان كل يوم يشبه اليوم الذي يليه.
كان
الرهبان يعملون ويصلّون، وكان رئيسهم الأب يعزف على الأرغن، يكتب قصائد لاتينية وموسيقى.
كان هذا الرجل العجوز المدهش يمتلك موهبة استثنائية. كان يعزف على آلة الأرغن
بطريقة فنية جعلت الرهبان الأكبر سنا الذين ضعفت عندهم حاسة السمع في نهاية حياتهم لا يتحكمون في
دموعهم عندما كانت أصوات الأرغن تصلهم من صومعته. عندما كان هذا الأب العجوز يتحدث
عن أي شيء، حتى عن الأشياء العادية جدا – على سبيل المثال عن الأشجار، عن
الحيوانات المتوحشة، أو عن البحر – لم يكن بوسع إخوانه الرهبان الاستماع إليه دون
ابتسام ودموع، وكان يبدو أن نفس الأوتار تهتز في روحه كما في آلة الأرغن.
وإذا حدث أن غضب أو نسي نفسه في نوبة فرح شديدة، أو بدأ يتحدث عن شيء رهيب أو عظيم، تملّكه إلهام عاطفي، وجرت الدموع في عينيه المشرقتين، واحمرّ وجهه، ودوّى صوته. وعندما كان الرهبان يستمعون إليه، كانوا يشعرون أن أرواحهم قد افتتنت بإلهامه؛ في مثل هذه اللحظات الرائعة، كانت سيطرته عليهم بلا حدود، ولو طلب منهم أن يلقوا بأنفسهم في البحر، لأسرع كل منهم لتنفيذ رغباته.
أما موسيقاه، صوته، أشعاره التي كان يمجّد الله فيها، السماوات والأرض، فكانت مصدر بهجة دائم للرهبان. وكان يحدث أحيانا أن يشعروا بالملل بسبب الرتابة في حياتهم، في الأشجار، الزهور، الربيع، الخريف، كما تعبت آذانهم من صوت البحر، وبدا لهم تغريد الطيور مملا، لكن مواهب أبيهم رئيس الدير فكانت ضرورية لهم مثل خبزهم اليومي.
مرت عشرات السنين، وكان كل يوم يشبه الآخر، كل ليلة تشبه الأخرى.. باستثناء الطيور والحيوانات المتوحشة ، لم تظهر روح واحدة قرب الدير. كانت تقع أقرب منطقة مأهولة بالبشر على مسافة بعيدة، وكان الوصول إليها من الدير أو الوصل إلى الدير منها بمثابة رحلة مسافتها أكثر من سبعين ميلا عبر الصحراء. الذين خاطروا وعبروا الصحراء هم فقط أولئك الذين احتقروا الحياة وهجروها، وأتوا إلى الدير كما يأتي المرء إلى القبر.
وإذا حدث أن غضب أو نسي نفسه في نوبة فرح شديدة، أو بدأ يتحدث عن شيء رهيب أو عظيم، تملّكه إلهام عاطفي، وجرت الدموع في عينيه المشرقتين، واحمرّ وجهه، ودوّى صوته. وعندما كان الرهبان يستمعون إليه، كانوا يشعرون أن أرواحهم قد افتتنت بإلهامه؛ في مثل هذه اللحظات الرائعة، كانت سيطرته عليهم بلا حدود، ولو طلب منهم أن يلقوا بأنفسهم في البحر، لأسرع كل منهم لتنفيذ رغباته.
أما موسيقاه، صوته، أشعاره التي كان يمجّد الله فيها، السماوات والأرض، فكانت مصدر بهجة دائم للرهبان. وكان يحدث أحيانا أن يشعروا بالملل بسبب الرتابة في حياتهم، في الأشجار، الزهور، الربيع، الخريف، كما تعبت آذانهم من صوت البحر، وبدا لهم تغريد الطيور مملا، لكن مواهب أبيهم رئيس الدير فكانت ضرورية لهم مثل خبزهم اليومي.
مرت عشرات السنين، وكان كل يوم يشبه الآخر، كل ليلة تشبه الأخرى.. باستثناء الطيور والحيوانات المتوحشة ، لم تظهر روح واحدة قرب الدير. كانت تقع أقرب منطقة مأهولة بالبشر على مسافة بعيدة، وكان الوصول إليها من الدير أو الوصل إلى الدير منها بمثابة رحلة مسافتها أكثر من سبعين ميلا عبر الصحراء. الذين خاطروا وعبروا الصحراء هم فقط أولئك الذين احتقروا الحياة وهجروها، وأتوا إلى الدير كما يأتي المرء إلى القبر.
لذلك كم كانت دهشة الرهبان عندما طرق يوما
بوابتهم أحد الرجال الذي اتضح أنه كان من المدينة، وكان هذا الرجل أشهر الآثمين
الذين أحبوا الحياة. وقبل أن يؤدي صلاته ويطلب بركات رئيس الدير، طلب هذا الرجل خمرا
وطعاما. وعندما سُئل كيف أتى من المدينة التي في قلب الصحراء، أجابهم بقصة طويلة
حول الصيد؛ لقد خرج للصيد، وشرب كثيرا جدا وضل طريقه. وحول عرضهم عليه أن يدخل
الدير وينقذ روحه، أجاب بابتسامة:" أنا لست الرفيق الذي يناسبكم. !"
وبعد أن تناول الطعام والشراب، نظر إلى الرهبان الذين كانوا يقومون بخدمته، وهز رأسه معنفا إياهم، وقال:
وبعد أن تناول الطعام والشراب، نظر إلى الرهبان الذين كانوا يقومون بخدمته، وهز رأسه معنفا إياهم، وقال:
"إنكم لا تفعلون أي شيء هنا، أنتم الرهبان.
إنكم لا تجيدون شيئا سوى تناول الطعام. هل هذه هي الطريقة التي بها ننقذ روحنا؟
فقط فكروا، بينما تجلسون هنا في سلام، تأكلون وتشربون وتحلمون بالسعادة، يهلك
جيرانكم ويذهبون إلى الجحيم. عليكم أن تروا ماذا يجري في المدينة! البعض يموتون من
الجوع، وآخرون لا يعرفون ماذا يفعلوا بالذهب الذي لديهم، يغرقون في الملذات
ويموتون كالذباب الملتصق في العسل. لا عقيدة، لا صدق عند الرجال.. مهمةُ من
إنقاذهم؟ من عليه أن يقدم الوعظ والنصح لهم؟ إنه لست أنا الرجل الثمل من الصباح
حتى الليل. هل يمكن لروح وديعة، لقلب محب، وإيمان بالله وُهب لكم أن تجلسوا هنا
بين أربعة جدران ولا تفعلوا شيئا؟"
" كانت
كلمات ذلك الرجل السكران القادم من
المدينة وقحة وغير مهذبة، لكن كان لها أثر غريب على الأب رئيس الدير. تبادل الأب
النظرات مع الرهبان، أصبح وجهه شاحبا، ثم قال:" إخواني، إنه يقول الحقيقة، أنتم
تعلمون بالفعل أن الناس الفقراء بضعفهم وقلة فهمهم يهلكون بسبب الرذيلة والخيانة، بينما نحن هنا لا نتحرك
كما لو كان الأمر لا يعنينا. لماذا لا أذهب إليهم وأذكّرهم بالمسيح الذي نسوه؟
لقد تركت كلمات رجل المدينة على الأب العجوز أثرا كبيراً. ففي اليوم التالي، تناول عصاه وودع الرفاق وانطلق إلى المدينة تاركا الرهبان بدون موسيقى وبدون وعظ وأشعار. قضوا شهرا بشكل موحش، ثم شهرا آخر، لكن الرجل العجوز لم يعد إليهم. وبعد ثلاثة أشهر سمعوا طرق عصاه. اندفع الرهبان لملاقاته وأمطروه بالأسئلة. غير أنه بدلا من الشعور بالسعادة لرؤيتهم، أخذ يبكي بمرارة ولم ينطق بكلمة واحدة. لاحظ الرهبان أنه كان يبدو متقدما جدا في السن وأنه أصبح أكثر نحافة. كان يبدو على وجهه الإرهاق وعليه مسحة من الحزن العميق. وعندما كان يبكي كان يبدو عليه أنه مصدوم وغاضب.
أخذ الرهبان في البكاء أيضا وبدءوا يسألونه بعطف عن سبب بكائه واكتئاب وجهه. لكنه انزوى في صومعته دون أن يتفوه بكلمة واحدة حيث بقي فيها لمدة سبعة أيام بلا طعام ولا شراب، وهو دائم البكاء بلا عزف على الأرغن. وكان يرد بصمت متصل على الطرق على بابه وعلى توسل الرهبان له أن يخرج ليشاركوه الحزن.
وأخيرا خرج الأب من صومعته. وبعد أن جمع كافة الرهبان حوله، وبوجه مبتل بالدموع وبتعبير ينم عن الأسى والامتعاض، بدأ يقص عليهم ما حدث له خلال تلك الأشهر الثلاث. كان صوته هادئا وكانت عيناه تبتسمان بينما كان يتحدث عن رحلته من الدير إلى المدينة. قال لهم أن الطيور كانت تغرد وهو سائر في الطريق، وأنه كان يسمع خرير جداول الماء، وأنعشت الآمال الشابة الحلوة روحه.
لقد تركت كلمات رجل المدينة على الأب العجوز أثرا كبيراً. ففي اليوم التالي، تناول عصاه وودع الرفاق وانطلق إلى المدينة تاركا الرهبان بدون موسيقى وبدون وعظ وأشعار. قضوا شهرا بشكل موحش، ثم شهرا آخر، لكن الرجل العجوز لم يعد إليهم. وبعد ثلاثة أشهر سمعوا طرق عصاه. اندفع الرهبان لملاقاته وأمطروه بالأسئلة. غير أنه بدلا من الشعور بالسعادة لرؤيتهم، أخذ يبكي بمرارة ولم ينطق بكلمة واحدة. لاحظ الرهبان أنه كان يبدو متقدما جدا في السن وأنه أصبح أكثر نحافة. كان يبدو على وجهه الإرهاق وعليه مسحة من الحزن العميق. وعندما كان يبكي كان يبدو عليه أنه مصدوم وغاضب.
أخذ الرهبان في البكاء أيضا وبدءوا يسألونه بعطف عن سبب بكائه واكتئاب وجهه. لكنه انزوى في صومعته دون أن يتفوه بكلمة واحدة حيث بقي فيها لمدة سبعة أيام بلا طعام ولا شراب، وهو دائم البكاء بلا عزف على الأرغن. وكان يرد بصمت متصل على الطرق على بابه وعلى توسل الرهبان له أن يخرج ليشاركوه الحزن.
وأخيرا خرج الأب من صومعته. وبعد أن جمع كافة الرهبان حوله، وبوجه مبتل بالدموع وبتعبير ينم عن الأسى والامتعاض، بدأ يقص عليهم ما حدث له خلال تلك الأشهر الثلاث. كان صوته هادئا وكانت عيناه تبتسمان بينما كان يتحدث عن رحلته من الدير إلى المدينة. قال لهم أن الطيور كانت تغرد وهو سائر في الطريق، وأنه كان يسمع خرير جداول الماء، وأنعشت الآمال الشابة الحلوة روحه.
واصل السير وشعر كما لو كان جنديا ذاهبا إلى
معركة واثقا من النصر. كان يمشي وهو يحلم ويؤلف قصائد الشعر والترنيمات الدينية حتى
وصل إلى نهاية الرحلة دون أن يلاحظ ذلك.
غير أن صوته كان يرتعش، وفي عينيه وميض، وكان
مشحونا بالغضب عندما بدأ يتحدث عن المدينة وعن الرجال فيها. لم يحدث طيلة حياته
أبدا أن رأى أو حتى تجرأ على تخيل ما قابله عندما دخل المدينة. فقط في ذلك الوقت
وللمرة الأولى في حياته، في ذلك السن المتقدم، شاهد وفهم كم كان الشيطان قوياً، كم
كان الشر جذابا، كم كان الرجال ضعفاء وقلوبهم جبانة ولا قيمة لهم. من باب الصدفة
الغير سارة كان أول مكان دخله مرتعا للرذيلة. كان بداخله خمسون رجلا يمتلكون نقودا
كثيرة، كانوا يأكلون ويشربون الخمر بمقادير لا تقدر. كانوا وقد أسكرتهم الخمر يرددون
الأغاني وبجرأة كانوا ينطقون ألفاظا فظيعة ومثيرة للقرف لا يجرؤ المرء الذي يخاف
الله على التلفظ بها. كان هؤلاء الرجال
ينطقون بتلك الكلمات السيئة بحرية ، وبثقة بالنفس وسعادة لا حدود لها. لم يخشوا
الله ولا الشيطان ولا الموت، بل كانوا يقولون ويفعلون ما يشاءون، وكانوا يذهبون إلى
حيث تقودهم شهوتهم. والخمر، الصافية كالكهرمان، تقطر، ولها وميض الذهب، لا بد أنه
كان للخمر حلاوة وعطر بشكل لا يقاوم، فقد كان كل من شربها يبتسم بمنتهى السعادة
ويطلب المزيد منها.
كانت الخمر ترد على ابتسامة الرجال بابتسامة وكانت
تتلألأ ببهجة إذا شربوها كما لو كانوا يعلمون أن لها سحر شيطاني كامن في حلاوتها. وصل
الرجل العجوز الذي كان يزيد من بخوره ويبكي بغضب في وصف ما رآه في المدينة. وعلى
المنضدة التي كانت تتوسط المحتفلين، قال الأب أنه كانت تقف امرأة آثمة، شبه عارية.
لقد كان من الصعب عليه أن يتخيل أو يجد أي شيء في الطبيعة أكثر روعة وسحرا منها.
هذه الأفعى، الشابة، ذات الشعر الطويل، والبشرة السمراء، ذات العيون السوداء والشفاه الممتلئة، الوقحة والمعدومة الحياء، بدت أسنانها البيضاء كالثلج وابتسمت كما لو كانت تريد أن تقول: "انظروا كم أنا جريئة دون خجل، وكم أنا جميلة". كان الحرير والقماش المطرز يتدلى من على كتفيها في طيات رائعة، لكن جمالها لم يخفي نفسه تحت ملابسها، بل دفع بنفسه بتلهف من خلال الطيات كالعشب النضر الذي يندفع من الأرض في فصل الربيع. أخذت المرأة الوقحة في شرب الخمر والغناء ووهبت نفسها لأي شخص أرادها.
ثم اخذ الأب، وهو يلوح بذراعيه بغضب، يصف سباق الخيل، عراك الثيران، المسارح، استوديوهات الفنانين حيث يتم رسم نساء عاريات أو صنع تماثيل من الصلصال لهن. كان يتحدث بإلهام،بجمال رنان، كما لو كان يعزف على أوتار غير مرئية؛ بينما كان الرهبان الذين أصابهم الرعب لما سمعوه يتلقون كلماته بشراهة ويلهثون بنشوة.
هذه الأفعى، الشابة، ذات الشعر الطويل، والبشرة السمراء، ذات العيون السوداء والشفاه الممتلئة، الوقحة والمعدومة الحياء، بدت أسنانها البيضاء كالثلج وابتسمت كما لو كانت تريد أن تقول: "انظروا كم أنا جريئة دون خجل، وكم أنا جميلة". كان الحرير والقماش المطرز يتدلى من على كتفيها في طيات رائعة، لكن جمالها لم يخفي نفسه تحت ملابسها، بل دفع بنفسه بتلهف من خلال الطيات كالعشب النضر الذي يندفع من الأرض في فصل الربيع. أخذت المرأة الوقحة في شرب الخمر والغناء ووهبت نفسها لأي شخص أرادها.
ثم اخذ الأب، وهو يلوح بذراعيه بغضب، يصف سباق الخيل، عراك الثيران، المسارح، استوديوهات الفنانين حيث يتم رسم نساء عاريات أو صنع تماثيل من الصلصال لهن. كان يتحدث بإلهام،بجمال رنان، كما لو كان يعزف على أوتار غير مرئية؛ بينما كان الرهبان الذين أصابهم الرعب لما سمعوه يتلقون كلماته بشراهة ويلهثون بنشوة.
بعد أن انتهى من وصف كل فتن الشيطان، جمال الشر، فتنة
شكل النساء المخيف، أخذ الأب يلعن الشيطان، ثم استدار وانزوى في صومعته.
عندما خرج من صومعته في الصباح، لم يكن هناك في
الدير ثمة راهب واحد؛ لقد هرب جميعهم إلى المدينة!!
Copyrights © 2014 CAVVU eTranslation, All rights reserved
جميع حقوق النشر والترجمة والتصميم محفوظة لـ CAVVU eTranslation
مواقع صديقة:
0 comments