Harmony Clean Flat Responsive WordPress Blog Theme

Sponsor

ترجمة القصة القصيرة الوداع Farewell غي دي موباسانت

10:29:00 ص Unknown 0 Comments Category : , , , , ,

تقدم ترجمة للقصة القصيرة

"الوداع  Farewell"

 ترجمة القصة القصيرة " الوداع  Farewell " للكاتب الفرنسي العالمي " غي دي موباسانت Guy de Maupassant "
 ترجمة القصة القصيرة " الوداع  Farewell " للكاتب الفرنسي العالمي " غي دي موباسانت Guy de Maupassant "

للكاتب الفرنسي العالمي 

" غي دي  موباسانت Guy de Maupassant "


********

كان الصديقان يقتربان من نهاية وجبة الغداء. كانا ينظران من خلال نوافذ المقهى إلى  شارع البوليفارد المكتظ بالناس. وكان يمكنهما الإحساس بالنسائم الرقيقة التي تنبعث على باريس في أمسيات الصيف الدافئة وتجعلك تشعر كما لو كنت ذاهبا إلى مكان ما، لا تهتم أين، تحت الأشجار، وتجعلك تحلم بالأنهار المضاءة بنور القمر، بالحشرات المضيئة وطيور القُبّر. 
أطلق أحد الصديقين، هنري سيمون، تنهيدة عميقة وقال:
"آه! إنني أتقدم في السن. إنه أمر سيء. في السابق، في الأمسيات مثل تلك كنت أشعر أنني ممتلئ بالحياة. أما الآن فأشعر بالحسرة فقط.  قصيرة هي الحياة!"
ربما كان في الخامسة والأربعين، أصلع تماما وبدين.
أما الآخر، بيير كارنيير، فكان أكبر سنا قليلا ومفعم بالحيوية، أجاب قائلا:
"حسن يا فتاي.  لقد تقدمتُ في السن دون أن ألاحظ ذلك. لقد كنت دائما مرحا، بصحة جيدة، نشيطا وعلى ما يرام. عندما يرى المرء نفسه في المرآة كل يوم،  لا يدرك ما يجري لعمره، إنه بطيء منتظم ويجري تعديلات على ملامح الوجه بطريقة لا يمكن معها ملاحظة التغيرات التي تطرأ عليه.  ولهذا السبب فقط لا نموت من الحزن بعد سنتين أو ثلاثة من الانفعال. فنحن لا يمكننا أن نفهم التغيرات التي يُحدثها الزمن. ولتقديرها، على المرء أن يبقى ستة أشهر دون النظر إلى وجهه—وبعد ذلك، أوه، يا للصدمة!
"والنساء، يا صديقي، كم أشفق على تلك المخلوقات المسكينة! إن كل ما لديهن من بهجة، وقوة، وحياة هو بفضل جمالهن الذي يدوم عشرة سنوات.
" كما قلت، لقد تقدمتُ في العمر دون أن ألاحظ ذلك. ظننت نفسي من الناحية العملية شابا عندما كنت خمسين سنة تقريبا. كنت أعيش في سعادة وسلام دون أن أشعر بأدنى ضعف.
"لقد تكشف أمر تقهقر حالتي بطريقة بسيطة ومخيفة شغلتني لما يقرب من ستة أشهر—ثم استسلمت للواقع.
"قابلتها على شاطئ بحر مدينة "إتريتات" قبل حوالي اثنا عشر عاما مباشرة بعد الحرب. ليس هناك ثمة شاطئ أجمل من هذا الشاطئ أثناء ساعة الاستحمام في الصباح. إنه صغير على شكل حذوة الفرس يحيطه أكثر من جرف أبيض مرتفع تتخلله حفر غريبة الشكل. يمتد أحدها في المحيط مثل ساق المارد، وآخر قصير وضخم. تتجمع النساء على الشريط الرملي الضيق في هذا الإطار من الصخور المرتفعة حيث يشكلن حديقة فائقة الجمال من الفساتين الجميلة. تسقط أشعة الشمس على الشواطئ، على المظلات متعددة الألوان، على البحر الأزرق الأخضر.. وكل شيء بهيج، سار، مبتسم. تجلس على حافة الماء وتشاهد المستحمين. تنزل النساء إلى الماء يلفهن أردية استحمام طويلة سرعان ما يلقين بها بعيدا عندما يصلن الحافة المزبدة للأمواج الصغيرة المترقرقة ويذهبن إلى الماء بخطى صغيرة سريعة. ويتوقفن من حين لآخر لاستنشاق الهواء العذب أو جراء شهقة قصيرة من الماء البارد.       
"القليل جدا يصمد أمام اختبار الحمّام. فهناك يمكن الحكم عليهن، من الركبة حتى الحنجرة. تتكشف عيوب الجسد بشكل خاص عندما يخرجن من الماء. رغم أن الماء مُعين قوي للبشرة المترهلة.
"في أول مرة شاهدتُ فيها هذه المرأة الشابة شعرتُ بالسعادة. لقد اجتازت الاختبار بشكل جيد. هناك وجوه يناديك سحرها من النظرة الأولى وتدخل السرور في قلبك على الفور. وتبدو كأنك قد وجدت المرأة التي وُلدت لتحبها. كان لدي ذلك الإحساس وتلك الصدمة. 
"أصبحت على الفور مفتوناً بشكل أسوأ مما كنت من قبل. كان قلبي يحن إليها. إنه شيء رهيب لكنه شيء سار أن تهيمن عليّ امرأة شابة. إنه عذاب، لكنه السعادة اللانهائية. نظرتها، ابتسامتها، شعرها الذي تداعبه الريح، خطوط وجهها الخفيفة، أقل حركة لملامحها، كل ذلك أسعدني، أزعجني. لقد أسرتني، جسدا وروحا، بحركاتها، سلوكها، وحتى بملابسها التي أضفت عليها جاذبية وسحرا حالما ارتدتها. كنت أشعر بالضعف كلما رأيت طرحتُها على قطعة أثاث ، قفازاتها ملقاة على كرسي.  كانت فساتينها تبدو لي فريدة لا مثيل لها. وقبعاتها! لا أحد لديه قبعة مثلها!.

"كانت متزوجة، لكن زوجها كان يأتي فقط في أيام السبت ويرحل في أيام الاثنين. لم أُشغل نفسي به برغم ذلك. لم أغار منه، لم أدري لماذا. لم يبدو لي أبدأ أن هناك ثمة مخلوق أقل أهمية في الحياة أو يثير أدنى اهتمام عندي من هذا الرجل.
"لكن هي! كم أحببتها! كم كانت جميلة، رشيقة وشابة! كانت في ريعان الشباب، كانت  الأناقة والعذوبة بعينها! لم أشعر أبدا من قبل وبقوة كم كانت تلك المرأة وسيمة، مميزة، رقيقة، جذابة ورشيقة. لم أر أبدا من قبل مثل ذلك الجمال الفاتن الذي يتجلى في انحناءة وجنتها، حركة الشفة، لون الأذن الوردي، شكل ذلك العضو الغبي الذي يسمى أنف.  
"دام هذا الحال ثلاثة أشهر، ثم ذهبت إلى أمريكا يغمرني الحزن. غير أن ذكراها بقيت داخلي، دائمة، منتصرة . لقد كنت برغم بعدي عنها ملك لها تماما كما كنت عندما كانت قريبة مني. لقد مرت السنين ولم أنساها. كانت صورتها الفاتنة دائما أمام ناظري وفي قلبي. وبقي حبي لها صادقا، وإنه الآن غاية في الرقة. مثل الذكرى المحبوبة لأكثر شيء سحرا وجمالا قابلته في حياتي.
"اثنتي عشرة سنة ليست بالكثير في عمر الإنسان. فالمرء لا يشعر بها وهي تمضي سنة بعد أخرى بلطف وبسرعة، نشعر بها بطيئة وطويلة لأنها تمضي بسرعة. إنها تترك ورائها آثارا قليلة، إنها تتلاشى تماما بحيث أنه عندما يلتفت المرء حوله لينظر إلى السنين التي مضت لا يرى شيئا وبرغم ذلك لا يفهم كيف تقدم جدا في السن. حقيقة كان يبدو لي أنه بالكاد قد فرقتني بضعة أشهر عن ذلك الموسم الفاتن على رمال مدينة "إتريتات".   
"ذهبت في فصل الربيع الماضي مع بعض أصدقائي لتناول وجبة الغداء في "ميزو لافيت".
"وفي اللحظة التي كان القطار يتحرك مغادرا المحطة، دخلت إلى العربة التي كانت فيها سيدة سمينة بمساعدة أربع فتيات صغيرات. نظرت بألم إلى الأم هذه: كبيرة جدا، مستديرة جدا، لها وجه ممتلئ كالقمر محاط بقبعة هائلة مزينة بالأشرطة.
"كانت متقطعة الأنفاس كونها اضطرت أن تسير بسرعة. بدأ الأطفال في الثرثرة. فتحت صحيفتي وبدأت في قراءتها.
"عفوا يا سيدي. ألست السيد/ غارنيير؟"
"نعم، يا سيدتي"   
"ثم ضحكت، الضحكة السعيدة للمرأة الطيبة؛ ومع ذلك كانت حزينة.
"يبدو أنك لا تعرفني."
"ترددت. كان يبدو لي أنني رأيت ذلك الوجه في مكان ما؛ ولكن أين؟ متى؟ ثم أجبتها:
"نعم – و  لا ..إنني أعرفك بالتأكيد، ومع هذا لا استطيع أن أتذكر اسمك."
"احمر وجهها قليلا:
"مدام جولي ليفيفر!"
" لم أتلقى مثل هذه الصدمة أبداً. في لحظة بدا لي وكأنها قد اجتاحتني عن آخري. شعرت أنه قد أزيح حجاب عن عيني  وأنني على وشك القيام باكتشاف رهيب محزن للقلب.
"وهكذا كانت هي! تلك المرأة الكبيرة، المألوفة، هي! لقد أصبحت أُما لتلك البنات الأربعة منذ رايتها آخر مرة. كما فاجأني رؤية تلك الكائنات الأربعة بنفس القدر الذي فاجأني رؤية أمهن .لقد كن جزءا منها؛ كن بنات كبيرات ولهن مكانة في الحياة. بدا لي كأنني رأيتها يوم أمس فقط. وهكذا وجدتها الآن مرة ثانية. هل كان ذلك محتملا؟ انتاب قلبي حزن مؤثر. كما انتابه تمرد على الطبيعة نفسها، استياء غير معقول على عمل التدمير الوحشي الإجرامي. 
"أخذت أنظر إليها في حيرة، ثم أخذت يدها في يدي واغرورقت عيناي بالدموع. بكيت على شبابها الذي ذوى، حيث لم استطع التعرف على هذه السيدة السمينة. 
"كانت هي أيضا منفعلة، وأخذت تتلعثم قائلة:
"لقد تغيرت بشكل كبير، أليس كذلك؟ ماذا يمكنك أن تتوقع—كل شيء له زمانه! كما ترى، لقد أصبحت أُماً، لا شيء سوى أُم طيبة. الوداع لكل شيء آخر، انتهى الأمر. أوه! لم أتوقع أبدا أن تعرفني لو التقينا. وأنت أيضا قد تغيرت. لم أستطع إلا بعد وقت أن أتأكد من أنني لم أخطئ. شعرك كله أبيض. فقط فكر في الأمر! اثنتي عشرة سنة مضت! اثنتي عشرة! ابنتها الكبرى هي الآن في العاشرة.
"نظرت إلى الطفلة، وتعرفت فيها على شيء ما من سحر أمها القديم، لكنه شيء لم يتشكل بعد، شيء واعد بالمستقبل. كما بدت الحياة لي سريعة كقطار منطلق بسرعة فائقة.
"وصلنا "ميزو لافيت". قبلت يد صديقتي القديمة. لم أجد شيئا أتفوه به سوى بعض الملاحظات العادية جدا. كنت منزعجا للغاية لدرجة أنني لم أستطع التحدث إليها.
"في الليل وقفت وحيدا في البيت أمام المرآة لوقت طويل جدا. وأخيرا أخذت أتذكر ما كنت عليه وما آلت إليه حالي. شاربي البني، شعري الأسود وملامح الشباب على وجهي. والآن أصبحت عجوزا.
الوداع!" 


********
Copyrights © 2014 CAVVU eTranslation, All rights reserved
جميع حقوق النشر والترجمة والتصميم محفوظة لـ CAVVU eTranslation



تصفح أيضا:

RELATED POSTS

0 comments